فصل: الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الَّذِي جُعِلَ مِنَ الْأَرْضِ طَهُورًا الطَّاهِرُ مِنْهَا دُونَ النَّجَسِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف



.الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ:

وَأَنْكَرَتْ طَائِفَةٌ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ حَسَرَ الْعِمَامَةَ فَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ جَابِرٌ: أَمِسَّ الْمَاءَ الشَّعْرَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ.
500- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، ثنا أَبُو بَكْرٍ، ثنا وَكِيعٌ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي لَبِيدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَحَسَرَ الْعِمَامَةَ فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ.
501- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرٍ: الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ، قَالَ: أَمِسَّ الْمَاءَ الشَّعْرَ.
502- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، ثنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ. وَبِهِ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْقَاسِمُ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَسْحِ الْمَرْأَةِ عَلَى خِمَارِهَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تَمْسَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى خِمَارِهَا، وَلَكِنَّهَا تَمْسَحُ بِرَأْسِهَا، هَذَا قَوْلُ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ: وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، وَعَطَاءٌ، تُدْخِلُ يَدَهَا مِنْ تَحْتِ الْخِمَارِ، فَتَمْسَحُ مُقَدَّمَ رَأْسِهَا، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ عَلْقَمَةَ مَوْلَاةِ عَائِشَةَ أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالشَّافِعِيِّ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: فِي الْمَرْأَةِ تَمْسَحُ عَلَى خِمَارِهَا، رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ تَمْسَحُ عَلَى الْخِمَارِ، وَرُوِي ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى قَلَنْسُوَتِهِ، وَلَسْنَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ.
503- مِنْ حَدِيثِ إِسْحَاقَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ ضِرَارٍ، عَنْ أَنَسٍ.
وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالنُّعْمَانُ، وَإِسْحَاقُ، وَكُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَرَوْنَ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنْ مَسَحَ عَلَى عِمَامَتِهِ، ثُمَّ نَزَعَهَا، فَفِي قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ: يَمْسَحُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: يُعِيدُ الْوُضُوءَ، وَقِيَاسُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِذَا خَلَعَ خُفَّيْهِ فَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ نَزَعَ عِمَامَتِهِ عَلَى طَهَارَتِهِ، وَقَالَ مَكْحُولٌ: الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ وَالْعِمَامَةِ سَوَاءٌ، إِذَا مَسَحَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ نَزَعَهُمَا بَعْدُ إِنَّ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ.

.كتاب التَّيَمُّمِ:

.ذِكْرُ بَدْءِ نُزُولِ التَّيَمُّمِ:

504- أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أنا الشَّافِعِيُّ، أنا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَانْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ.

.ذِكْرُ تَصْيِيرِ اللهِ تَعَالَى الْأَرْضَ طَهُورًا لَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] الْآيَةَ.
505- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا مُسَدَّدٌ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتِ الْأَرْضُ كُلُّهَا لَنَا مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا، وَجُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، وَأُوتِيتُ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ بَيْتِ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ، لَمْ يُعْطَ مِنْهُ أَحَدٌ قَبْلِي، وَلَا يُعْطَى مِنْهُ بَعْدِي.
506- حَدَّثَنَا عَلَّانُ، ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ.

.الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الَّذِي جُعِلَ مِنَ الْأَرْضِ طَهُورًا الطَّاهِرُ مِنْهَا دُونَ النَّجَسِ:

507- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا حَجَّاجٌ، ثنا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، وَحُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَجُعِلَتْ لِي كُلُّ أَرْضٍ طَيِّبَةٍ مَسْجِدًا وَطَهُورًا».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يُتَيَمَّمَ بِهِ مِنَ الْأَرْضِ الطَّيِّبُ دُونَ مَا هُوَ مِنْهَا نَجَسٌ.

.ذِكْرُ إِثْبَاتِ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ الْمُسَافِرِ الَّذِي لَا يَجِدُ الْمَاءَ:

508- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: تَمَارَى ابْنُ مَسْعُودٍ وَعَمَّارٌ فِي الرَّجُلِ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ فَلَا يَجِدُ الْمَاءَ قَالَ: فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ قَالَ: وَقَالَ عَمَّارٌ: كُنْتُ فِي الْإِبِلِ فَأَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى الْمَاءِ، فَتَمَعَّكْتُ كَمَا يَتَمَعَّكُ الْحِمَارُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ، فَإِذَا قَدَرْتَ عَلَى الْمَاءِ اغْتَسَلْتَ.
509- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا هَوْذَةُ، ثنا عَوْفٌ، ثنا أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ، ثنا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَانْفَتَلَ مِنْ صَلَاتِهِ، فَإِذَا بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مَنَعَكَ يَا فُلَانُ أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْقَوْمِ؟ قَالَ: يَا رَسُول اللهِ، أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ قَالَ: وَقَدِ احْتَجَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى الْجُنُبِ بِقَوْلِهِ: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43]، كَانَ مَعْنَاهُ: لَا يَقْرَبُ الصَّلَاةَ جُنُبٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَابِرَ سَبِيلٍ مُسَافِرًا لَا يَجِدُ الْمَاءَ فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، وَرُوِّينَا مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَابْنِ جُبَيْرٍ، وَالْحَكَمِ، وَالْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ نِيَافٍ، وَقَتَادَةَ، وَقَدْ ذَكَرْتُ أَسَانِيدَهَا فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ.
510- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، {وَلَا جُنُبًا} [النساء: 43] إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ، قَالَ: هُوَ الْمُسَافِرُ.
511- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ، ثنا يَزِيدُ، ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ لَاحِقِ بْنِ حُمَيْدٍ وَهُوَ أَبُو مِجْلَزٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، كَانَ يَتَأَوَّلُهَا: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43]، قَالَ: يُحَرِّمُهَا أَنْ لَا يَقْرَبَ الصَّلَاةَ وَهُوَ جُنُبٌ إِلَّا وَهُوَ مُسَافِرٌ لَا يَجِدُ الْمَاءَ فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي.
512- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَلِيٍّ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43]، قَالَ: لَا يَقْرَبُ الصَّلَاةَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ وَلَا يَجِدُ الْمَاءَ فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَمِمَّنْ مَذْهَبُهُ أَنَّ الْجُنُبَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي: عَلِيٌّ.
513- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إِذَا أَجْنَبْتَ فَسَلْ عَنِ الْمَاءِ جَهْدَكَ فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَيْهِ فَتَيَمَّمْ وَصَلِّ، فَإِذَا قَدَرْتَ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسِلْ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَهُوَ قَوْلُ عَوَامِّ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ قَوْلًا مَعْنَاهُ مَنْعُ الْجُنُبِ التَّيَمُّمَ.
514- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: إِنَّا نَمْكُثُ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ لَا نَجْدُ الْمَاءُ فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَكُنْ أُصَلِّي حَتَّى أَجِدَ الْمَاءَ.
515- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، ثنا عَبْدُ اللهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَوْ أَجْنَبْتُ ثُمَّ لَمْ أَجِدِ الْمَاءَ شَهْرًا مَا صَلَّيْتُ قَالَ سُفْيَانُ: لَا نَأْخُذُ بِهَذَا وَقَالَ النَّخَعِيُّ: إِذَا أَجْنَبَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ فَلَا يَتَيَمَّمُ وَلَا يُصَلِّي، وَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ اغْتَسَلَ وَصَلَّى الصَّلَوَاتِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَبِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَقُولُ.

.ذِكْرُ جِمَاعِ الْمُسَافِرِ الَّذِي لَا يَجِدُ الْمَاءَ وَأَهْلِ الْبَادِيَةِ الَّذِينَ لَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي غَشَيَانَ مَنْ لَا مَاءَ مَعَهُ مِنَ الْمُسَافِرِينَ وَغَيْرِهِمْ، فَكَرِهَتْ طَائِفَةٌ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ أَنْ يُجَامِعَ، وَمِمَّنْ رَوَيْنَا عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يُصِيبَ أَهْلَهُ إِلَّا وَمَعَهُ مَاءٌ.
516- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، ثنا حَجَّاجٌ، ثنا حَمَّادٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ زَاذَانَ، وَمَيْسَرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إِذَا كَانَ الْمُسَافِرُ سَائِرًا يَرِدُ الْمَاءَ كُلَّ يَوْمٍ وَكُلَّ يَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةٍ، فَلَا يَغْشَى أَهْلَهُ حَتَّى يَرِدَ الْمَاءَ.
517- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُنْقِذٍ، ثنا الْمُقْرِئُ، ثنا حَيْوَةُ، ثنا أَبُو صَخْرٍ، أَنَّ رَجُلًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: إِذَا أَعْزَبَ الْأَعْرَابِيُّ عَنِ الْمَاءِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُجَامِعَ.
518- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، ثنا عَبْدُ اللهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي الْعَوَّامِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ، فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَكُنْ لِأَفْعَلَ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ فَاتَّقِ اللهَ وَاغْتَسِلْ إِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ.
519- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثنا سَعِيدٌ، ثنا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، أنا خُصَيْفٌ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ وَهُوَ لَا يَجِدُ الْمَاءَ وَأَبَاحَتْ لَهُ طَائِفَةٌ غَشَيَانَ أَهْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَاءٌ، فَقَالَتْ: يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي. رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ وَقَالَ: قَدْ فَعَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ فِي مَكَانٍ آخَرَ يَتَوَقَّاهُ أَحَبُّ إِلَيَّ، إِلَّا أَنْ يَخَافَ قَالَ إِسْحَاقُ: هُوَ سُنَّةٌ مَسْنُونَةٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَبِي ذَرٍّ وَعَمَّارٍ، وَفَعَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَطَؤُهَا وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43].
520- حَدَّثُونَا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، أنا الْمُعْتَمِرُ، سَمِعْتُ لَيْثًا يُحَدِّثُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ مَعَ أَهْلِهِ فِي السَّفَرِ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَلَمْ يَرَ بَأْسًا أَنْ يَغْشَى أَهْلَهُ وَيَتَيَمَّمَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَبِهَذَا الْقَوْلِ نَقُولُ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَبَاحَ وَطْءَ الزَّوْجَةِ وَمِلْكَ الْيَمِينِ، فَمَا أَبَاحَ فَهُوَ عَلَى الْإِبَاحَةِ، لَا يَجُوزُ حَظْرُ ذَلِكَ وَلَا الْمَنْعُ مِنْهُ إِلَّا بِسُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ، وَالْمَمْنَوعَ مِنْهُ حَالَ الْحَيْضِ وَالْإِحْرَامِ وَالصِّيَامِ، وَحَالَ الْمُظَاهِرِ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ، وَمَا وَقَعَ تَحْرِيمُ الْوَطْءِ مِنْهُ بِحُجَّةٍ، فَأَمَّا كُلُّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ فِي ذَلِكَ، فَمَرْدُودٌ إِلَى أَصْلِ إِبَاحَةِ الْكِتَابِ الْوَطْءُ، قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} [البقرة: 222] الْآيَةَ وَقَدْ جَعَلَ التَّيَمُّمَ طَهَارَةً لِمَنْ لَا يَجِدُ الْمَاءَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ صَلَّى بِوُضُوءٍ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءَ، وَبَيْنَ مَنْ صَلَّى بِتَيَمُّمٍ حَيْثُ لَا يَجِدُ الْمَاءَ؛ إِذْ كُلٌّ مُؤَدٍّ مِمَّا فُرِضَ عَلَيْهِ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ قَالَهُ عَطَاءٌ، قَالَ فِي الْمُسَافِرِ لَا يَجِدُ الْمَاءَ: إِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ أَرْبَعُ لَيَالٍ فَصَاعِدًا فَلْيُصِبْ أَهْلَهُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثَلَاثُ لَيَالٍ فَمَا دُونَهَا لَمْ يُصِبْ أَهْلَهُ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إِنْ كَانَ فِي السَّفَرِ فَلَا يَقْرَبْهَا حَتَّى يَأْتِيَ الْمَاءَ، وَإِنْ كَانَ مُعْزِبًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصِيبَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَاءٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْأَخْبَارُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي بَابِ إِثْبَاتِ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ الْمُسَافِرِ الَّذِي لَا يَجِدُ الْمَاءَ دَالَّةٌ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ، وَقَدْ رَوَيْنَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ حَدِيثًا.
521- حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ زَكَرِيَّا، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، ثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُول اللهِ، الرَّجُلُ يُعْزِبُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ، يُجَامِعُ أَهْلَهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ».

.ذِكْرُ الْمَرِيضِ الَّذِي لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي التَّيَمُّمِ لِلْمَرِيضِ الْوَاجِدِ لِلْمَاءِ، فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: لِمَنْ بِهِ الْقُرُوحُ أَوِ الْجُرُوحُ أَوِ الْجُدَرِيُّ، وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ رُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ رَفْعَهُ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: 43] الْآيَةَ وَقَالَ: إِذَا كَانَتْ بِالرَّجُلِ جِرَاحَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ قُرُوحٌ أَوْ جُدَرِيٌّ، فَجَنُبَ، فَخَافَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَيَمُوتَ، يَتَيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ.
522- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، ثنا إِسْحَاقُ، ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَفَعَهُ مِثْلَهُ.
523- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رُخِّصَ لِلْمَرِيضِ فِي الْوُضُوءِ التَّيَمُّمُ بِالصَّعِيدِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ مُجَدَّرًا كَأَنَّهُ صَمْغَةٌ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟.
524- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبَانُ، عَنِ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ، أَنَّ رَجُلًا كَانَ بِهِ جُدَرِيٌّ، فَأَمَرَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقْرَبُ تُرَابًا فِي طَشْتٍ أَوْ تَوْرٍ فَيَتَمَسَّحُ بِالتُّرَابِ وَرَخَّصَ مُجَاهِدٌ فِي التَّيَمُّمِ لِلْمَجْدُورِ وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَتَيَمَّمُ الَّذِي بِهِ الْقُرُوحُ أَوِ الْجُرُوحُ وَرَخَّصَ طَاوُسٌ فِي ذَلِكَ لِلْمَرِيضِ الشَّدِيدَ الْمَرَضَ، وَكَذَلِكَ قَالَ قَتَادَةُ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَإِبْرَاهِيمُ: الَّذِي بِهِ الْجُدَرِيُّ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْدُورِ وَالْمَحْصُوبِ إِذَا خَافَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذْ هُوَ بِالْعِرَاقِ: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ فِي الْحَضَرِ إِلَّا لِوَاحِدٍ مِنَ اثْنَيْنِ: مَنْ بِهِ قَرْحٌ أَوْ ضَنْأٌ يَخَافُ إِنْ تَوَضَّأَ أَوِ اغْتَسَلَ التَّلَفَ أَوْ شِدَّةَ الضَّنَأِ وَقَالَ بِمِصْرَ الَّذِي سَمِعْتُ أَنَّ الْمَرَضَ الَّذِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَيَمَّمَ فِي الْجِرَاحِ، وَالْقُرُوحِ ذَا الْغَوْرِ كُلَّهُ مِثْلُ الْجِرَاحِ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ فِي كُلِّهِ إِذَا مَسَّهُ الْمَاءُ أَنْ يَنْطِفَ فَيَكُونَ مِنَ النَّطْفِ التَّلَفُ وَالْمَرَضُ الْمَخُوفُ، وَأَقَلُّهُ مَا يَخَافُ هَذَا مِنْهُ، وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَالْمَرِيضُ فِي الْحَضَرِ إِذَا كَانَ مَرَضُهُ الْجُدَرِيَّ أَوِ الْجُرُوحَ يَخَافُ إِنْ مَسَّ الْمَاءَ مَاتَ، أَوْ زَادَتْ عَلَيْهِ، تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّمَا رُخِّصَ فِي التَّيَمُّمِ لِلْمَرِيضِ الَّذِي لَا يَجِدُ الْمَاءَ، فَأَمَّا مَنْ وَجَدَ الْمَاءَ فَلَيْسَ يُجْزِيهِ إِلَّا الِاغْتِسَالُ وَاحْتَجَّ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمَرِيضَ وَغَيْرَهُ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] الْآيَةَ هَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ، قَالَ عَطَاءٌ: وَقَدِ احْتَلَمْتُ مَرَّةً وَأَنَا مَجْدُورٌ فَاغْتَسَلْتُ، هِيَ لَهُمْ كُلِّهِمْ وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ فِي الْمَجْدُورِ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ: يُسَخَّنُ لَهُ الْمَاءُ فَيَغْتَسِلُ بِهِ، ولابد مِنَ الْغُسْلِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَبِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَقُولُ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] الْآيَةَ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ احْتَلَمَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ، فَأَشْفَقَ إِنِ اغْتَسَلَ أَنْ يَهْلِكَ، فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى، وَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَحِكَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، وَلَيْسَ بَيْنَ مَنْ خَافَ إِنِ اغْتَسَلَ أَنْ يَتْلَفَ مِنَ الْبَرْدِ وَبَيْنَ مَنْ بِهِ عِلَّةٌ يَخَافُ الْمَوْتَ إِنِ اغْتَسَلَ مِنْ أَجَلِهَا فَرْقٌ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُبَيِّنُ عَنِ اللهِ تَعَالَى مَعْنَى مَا أَرَادَ، وَلَوْ كَانَ مَا فَعَلَ عَمْرٌو غَيْرَ جَائِزٍ لَعَلَّمَهُ ذَلِكَ، وَلَأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ، فَفِي إِقْرَارِهِ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ وَتَرْكِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ، دَلِيلٌ عَلَى إِجَازَةِ مَا فَعَلَهُ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي رَجُلٍ أَصَابَهُ جِرَاحٌ عَلَى عَهْدِهِ ثُمَّ أَصَابَهُ احْتِلَامٌ، فَأُمِرَ بِالِاغْتِسَالِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالَ؟» وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ حُجَّةً لِقَوْلِنَا، فَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ أَدْخَلَ بَيْنَ الْأَوْزَاعِيِّ وَبَيْنَ عَطَاءٍ رَجُلًا وَقَالَ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ: ثنا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَطَاءً قَالَ إِنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَفِي ظَاهِرِ الْآيَةِ وَخَبَرِ عَمْرٍو كِفَايَةٌ عَنْ كُلِّ قَوْلٍ وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الْمَرِيضِ يَحْضُرُهُ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَنْ يُنَاوِلُهُ الْمَاءَ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُومَ إِلَيْهِ، يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي الْمَرِيضِ الْمُقِيمِ فِي الْمِصْرِ لَا يَسْتَطِيعُ الْوُضُوءَ لِمَا بِهِ مِنَ الْمَرَضِ: يُجْزِيهِ التَّيَمُّمُ وَقَالُوا فِي الْمَرِيضِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْدُورِ وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ.